ظاهرة الفساد ماهيتها ومظاهرها وأشكالها الفساد آفة خطيرة استشرى لهيبها، وانتشر داؤها في العالم العربي انتشار النار في الهشيم، وتفشَّى سرطانها في أعصاب الحياة المجتمعية؛ فَشَلَّ وخرَّب أركان النهوض والتنمية، فساهم في تراجعها وتقهقرها في سلم مؤشر التنمية البشرية، فأضحت الدول العربية في ذيل القائمة؛ سواء على مستوى الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو الإدارة... في خضم هذه المشكلة العويصة، تتبادر إلى الذهن جملة من الأسئلة المتواترة: • ما المقصود بالفساد؟ وما أشكاله وصوره ومؤشراته؟ • وفيمَ تتجلى مظاهره؟ • وكيف انعكس تفشي الفساد على موقع العالم العربي في سلم التقارير الدولية؟ 1- ماهية الفساد: الفساد ( Corruption) ضد الصلاح، فإذا كان المعنى اللغوي للفساد أنه ضد الصلاح، فإن صلاح المال - مثلاً - كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو: "وإني لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق، ويعطى في الحق، ويمنع من الباطل" [1]. وقد عرفته " منظمة الشفافية العالمية " التي تأسست سنة 1993 بأنه: "سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة"، أما "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" لسنة 2003، فإنها لم تتطرق لتعريف الفساد، لكنها جرمت حالات الفساد التي حددتها في: • رشوة الموظفين العموميين الوطنيين.
التصدي للفساد إن النية وحدها غير كافية لمجابهة الفساد والقضاء عليه ، حيث يجب أن يكون هناك إرادة للعمل على تحقيق ذلك واقتلاع الفساد من جذوره ، ويعد توفير الحرية للصحافة وكافة وسائل التعبير من أفتك الأسلحة التي تساعد على محاربة الفساد والفاسدين ، فالفساد يتناسب طرديًا مع درجة الديكتاتورية والشمولية وقيود حرية التعبير ، كما أن القضاء القوي والمستقل والعادل والعمل على توعية الشعب بحقوقهم وواجبتهم يعد من الركائز القوية لبناء مجتمع مزدهر غير فاسد. وسائل مختلفة لمكافحة الفساد لا يوجد حل سحري لمحاربة الفساد ، ولكن تمكنت العديد من الدول من تحقيق تقدمًا كبيرًا في الحد من الفساد ، وفيما يلي خمس طرق يمكن للمواطنين والحكومات من خلالها إحراز تقدم في مكافحة الفساد: تنفيذ القوانين الفعالة إن تنفيذ القوانين الفعالة هو أمر ضروري لضمان معاقبة الفاسدين وكسر دائرة الإفلات من العقاب ، أو التحرر من العقاب أو الخسارة ، ويدعم نهج تنفيذ القوانين الناجح إطار قانوني قوي ونظام محاكم مستقل وفعال ، ويمكن للمجتمع المدني دعم العملية بمبادرات مثل حملة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد. إصلاح الإدارة العامة وإدارة المالية حققت الإصلاحات التي تركز على تحسين الإدارة المالية وتعزيز دور وكالات مراجعة الحسابات في العديد من البلدان تأثيرًا أكبر من إصلاحات القطاع العام في الحد من الفساد.
وروى الامام أحمد عن ثوبان قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي, والمرتشي والرائش يعني الذي يمشي بينهما". أسباب انتشار الفساد وعدم النزاهة: – عدم إتساق أنظمة الدولة المختلفة ومتطلبات الحياة الاجتماعية. – انعدام الضمير. – ضعف الرقابة. آثار عدم مكافحة الفساد: – عدم وجود هيئات لمكافحة الفساد يؤدي إلى غرس بذور الضعف في الدولة والانحلال في النظم الإدارية والهياكل المنظمة. – عدم مكافحة الفساد يؤدي إلى الانعكاس السئ على أفراد المجتمع كله. – عدم مكافحة الفساد يؤدي إلى انعدام تماسك وقوّة للمجتمعات وللنظم على حدّ سواء. – عدم مكافحة الفساد يؤدي إلى ضعف كيان الدولة بأكمله وانهيار القيم والأخلاق. – عدم مكافحة الفساد يتسبب في التأثير السلبي على عملية التنمية فينحرف بأهدافها. – عدم مكافحة الفساد يؤدي إلى تبديد الموارد والإمكانات بالدولة وإساءة توجيهها وإعاقة مسيرتها. – عدم محاربة الفساد يضعف فاعلية وكفاية اجهزة المشكلة بالدولة. – عدم مكافحة الفساد يتسبب في خلق حالة من التذمر والقلق. أقوال مأثورة عن الفساد وعدم النزاهة: – إن الدولة تشبه أبناءها.. فلا نطمع بترقية الدولة إلا بترقية أبنائها. – سقراط – أيها الأثينيون، إنني مؤمن ولكن لا ككل الذين يتهمونني.
• الفساد الكبير ( Gross Corruption) (فساد الدرجات الوظيفية العليا من الموظفين): والذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة، وهو أهم وأشمل وأخطر؛ لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة. 3- مؤشرات الفساد: إن مؤشرات الفساد تظل واضحة المعالم، تنتشر وتتفشى داخل المجتمع، يتجسد ظهورها بصيغ وهيئات مختلفة، تتمثل في: • شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع. • شيوع ظاهرة الرشوة لدرجة تصل فيها من جملة المستمسكات المطلوبة في أية معاملة. • المحسوبية والولاء لذوي القربى في شَغلِ الوظائف والمناصب، بدلاً من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية والنزاهة. • غياب مبدأ تكافؤ الفرص في شغل الوظائف. • ضعف الرقابة "أجهزة وأداءً ودورًا" أو ظهورها بشكل شكلي مع إهمال نتائجها. • الاستغلال السيئ للوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية على حساب المصالح الموضوعية. • الخروج المقصود عن القواعد والنظم العامة لتحقيق منافع خاصة. • بيع الممتلكات العامة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة. • انتشار ظاهرة الابتزاز، متمثلة في التعقيدات الإجرائية والروتين، الذي يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من البلد. ويعد ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع دالة على تدني الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنزاهة، في شغل الوظائف العامة [6].
4- مظاهر الفساد: من أبرز مظاهر الفساد المنتشرة في العالم العربي - وهي متشابهة ومتداخلة [7] -: • الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل مخالف لأصول المهنة، وهي منتشرة في كثير من الدول الغربية والدول النامية. • المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص؛ مثل: حزب أو عائلة أو منطقة، دون أن يكونوا مستحقين لها، وهي منتشرة في الدول العربية بشكل عام. • المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة، بغير حق للحصول على مصالح معيَّنة. • الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة؛ مثل: تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء رغم كونه غير كفء، وهي منتشرة كثيرًا في العالم العربي. • نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق بشكل سري تحت مسميات مختلفة. • الابتزاز: أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد. • غسيل الأموال: هي عملية إخفاء المصدر غير القانوني لهذه الأموال وتحويلها أو دمجها في الاقتصاد المشروع. وقد أظهر التقرير الأخير الذي نشرته منظمة الشفافية العالمية التي تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقرًّا لها - أن جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والبالغ عددها 21 دولة، لا تزال تحافظ على ترتيبها في سلم الفساد العالمي.
وجاءت نتائج معظم الدول العربية في المؤشر مخيِّبة للآمال، حيث حصلت على تقدير متوسط 35 درجة من درجات المؤشر البالغة 100 درجة، حيث تمثل هذه النتائج تحذيرًا من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة. يظل الفساد بشتى أطيافه أحد معاول الهدم التي تواجه عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولهذا فأحسن وسيلة لمحاربة الفساد هو أن تكون هنالك خطة إستراتيجية شاملة لإعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة، وإنهاء الظلم وأشكال الاستغلال في كل المجتمعات من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة. [1] الخراج لأبي يوسف - دار المعرفة - بيروت صـ117. [2] سنن الترمذي، كتاب الزهد، برقم 2268، 4/ 574. [3] تقرير عن التنمية في العالم 1997م - البنك الدولي للإنشاء والتعمير - ترجمة ونشر مؤسسة الأهرام صـ112. [4] عطية حسن أفندي "الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة" بحث مقدم لندوة الفساد والتنمية - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 1999م، صـ53. [5] حسين حسين شحاتة، الفساد المالي، أسبابه وصوره وعلاجه، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 552، شعبان 1432هـ/ يوليو2011، ص 27.